الأحد، 18 يناير 2009

الأراجـــــــــــوز


الأراجـــــــــــوز


في يوم عزمني واحد صديق من أصدقائي علي مسرح لأول مرة أدخله , مع إن الواحد عايش في مسرح كبير قوي قوي . المهم دخلت المسرح وماكانشي مسرح بالمعني , أقصد مش واخد حقه زي ناس كتير , عاوز توضيب وعاوز تهذيب وإصلاح بعض الحاجات من الداخل ولكن في النهاية يتقال عليه مسرح , ولقيت ناس بتجري هنا وهناك وبدون نظام , وفي ركن بعيد وهادي يوجد فيه بعض من الناس بتراقب تحركات الناس واللي يغلط ينادوا عليه علشان يصلح خطأه ومساره وناس تانية شايلين أحمال تقيلة كتيرة وعمالة في نفس الوقت تساعد ناس تانية ,, وناس قاعدة لا شغلة ولا مشغلة وسايبة رجالتها بتشتغل عنها أو بدل منها , وناس لا ليها في التور ولا في الطحين وحاطين مراخيرهم برضه في اللي مالهومشي فيه , وواحد بس لقيته هو متزعم الدوشة دي كل كلها , وشه كان متلون ولابس زعبوط وحاطط كورة حمرا في مراخيره , أنا قولت ده البهلوان !! رد صاحبي وقال لي ده الأراجوز ,, إندهشت حقيقة , ويكمل صديقي , وهو الأسطي بتاع الناس دي كلها , غريبه جدآ , ويكمل صديقي أصل هو بيلعب الدور الرئيسي ومن غيره الحياة تقف هنا , بالرغم من إن الممثلين اللي في نفس التمثيلية منهم اللي متماشي معاه ومنهم أيضآ اللي بيسقف له وهو مش موافقه , منافقين يعني , بالرغم من إن لو أي حد منهم وقع أو جري له أي حاجة بيروح يساعده ويساعده لغاية أما يقف علي رجليه من تاني , ويرجع لطبيعته تاني حتي لو كانت المساعده دي علي حساب نفسه وبيته و أهله ... وعلي فكرة موضوع المريسة دي موضوع صعب خالص , وده حقيقي موضوع صعب لإنك بتبقي في وش المدفع و ده في حد ذاته شئ مرعب , ناس فاكرة إن الريس غاوي شهرة ومنظرة وعاوز يوري إنه ممثل مافيش منه ,, وعلي فكرة هو لولا الممثلين اللي بيساعدوه كان زمانه وقع , لكن ربك بيسترها , وإبتدي الهدوء يصل إلي أسماعنا وصلت كحة من هنا أو من هناك , وحمحمة جاية من بعيد , ودندنة الآلات الموسيقية إستعدادآ للحظة المناسبة وسمعنا صوت الاراجوز أو الريس بتاعهم بيقول وبوضوح , ياللا كل واحد في مكانه وكل واحد عارف هايعمل إيه وإيه المطلوب منه , أنا قولت لكل واحد فيكم دوره إيه , ومافيش داعي واحد فيكم يغطي علي التاني علشان يبقي شكلنا حلو قدام الناس , كل الدنيا سمعت كلام الأراجوز ده , اقصد المتفرجين في المسرح , وضحكنا علي الإعتقاد بإنه عارف هو بيتعامل مع مين , عشان كده كل شوية تنبيهــات وكل شوية نسمع صوت من هنا وصوت من هناك , ويطلع واحد من المقربين للاراجوز ويزعق مع الناس اللي عاملة دوشة ويقرر هو كمان عدم التعامل معهم حتي علي المسرح بالرغم لو كان الدور مشترك ,
طبعآ يتفهم الأراجوز الموقف ويروح يهدي النفوس ويصالح المتخاصمين علشان المسرحية كلها ماتقعشي , لكن مافيش فايدة , كل مايصالح مجموعة علي بعضها تظهر مجموعة متخاصمة مع مجموعة اخري , وتشتعل بينهم المشاكل وبرضه يروح الأراجوز يصالحهم ويصالحهم , والظاهر إنه أصبح دوره الرئيسي والخوف إنه ينسي دوره الرئيسي في الرواية ,
أنا شوفت مسرحيات كتير ولكنهم كلهم بيجروا في مضمار واحد , كل المسرحيات فيها يحارب الخير ضد الشر ولابد من أن ينتصر الخير في النهاية ,, وكلاهما يحارب الآخر وكلاهما يريد القضاء علي الآخر وفي أسرع وقت , هكذا كان الحال في مسرحيتنا الليلة ولكن الخلافات التي وراء الكواليس كانت شرسة ومريرة وصعبة , لدرجة أن الأراجوز تساءل .. إزاي وإنتوا فريق واحد وفي نفس المسرح وبتلعبوا في نفس المسرحية ويكون بينكم الخلافات دي كلها هاتعملوا إيه قدام العالم اللي مستنيكم عشان يتفرج عليكم ؟؟ ماينقعشي كده , حطوا إيديكم في إيدين بعض علشان الناس تحس فيكم بروح الفريق الواحد داخلكم , لو إنهم أحسوا إن بينكم خصام و إنشقاق ! مش هايتعاملوا معاكم تاني ولا هايدخلوا المسرح بتاعكم تاني , ده غير نظرتهم ليكم هاتتغير , وبكده هانخسر كتير , علي الاقل تمسكوا بقانون المسرح وبعدين فكروا في السيناريو بتاع التمثيلية , إنتوا قدامكم تحدي كبير , ومن غير الناس دي مش هاتلاقوا الدعم المادي والإعتباري اللي يخليكم مستمرين في عملكم وهاتخسروا نفسكم وهاتتفرقوا وكل واحد يروح في حتة , لكن لو حطيتوا إيديكم في إيدين بعض هاتكونوا قوة لا يستهان بها !! لكن الظاهر إنه من كتر كلام الأراجوز مكرر ومعاد لإنه شبه يوميى بيحل في خلافاتهم , أصبح الممثلين يصيبهم الملل من كتر تكراره لدرجة إنهم حفظوه أكثر من السيناريو اللي هايلعبوه في المسرحية ,, كل كلام الاراجوز راح أدراج الرياح , المهم بدأت المسرحية بموسيقي صاخبة وعالية جدآ و أزعجت الكثير من المتفرجين ومنهم أنا , وبدأ الممثلين في إحتلال كل واحد لموقعه , وينطق بالحوار المكتوب له في السيناريو والتوجيهات من المخرج والأراجوز واقف يتفرج عليهم منتظرآ لحظة دخوله لتأدية دوره هو أيضآ ,, فوجئ الأراجوز ببعض الممثلين والذين علي صداقه خلف الكواليس , وجدهم متحدين مع بعض علي المسرح أمام الجمهور ولكنه في نفس الوقت ضد المجموعة التانية التي تلعب أمامها في نفس المسرحية , وكان منظر درامي جدآ ,, وهذه المجموعة تكيل الإتهامات للمجموعة الأخري , حتي الكوميديا المفترض وجودها في الحوار الغير متجانس , أصبحت كوميديا جافة وبدون أي طعم ولا مذاق لها ولا لون !!! اللهم من بعض المشاهد المكررة والمعادة في كثير من المسرحيات , ومن حين لآخر يعطي المخرج أوامره لإعادة وتكرار نفس المشهد معتقدآ أن الجمهور لن ينتبه لذلك !! لكننا بصراحة كننا ننتقد المخرج وبصوت عالي كمان , ومازالت الحرب مشتعلة علي المسرح وإنقسم الجمهور علي نفسه بين مؤيد ومعارض , والأصوات تعالت علي المسرح وفي صفوف المتفرجين و إختلط الحابل بالنابل ولم أعد أعرف من هو الذي علي حق ومن هو الذي فقد الحق الذي كان له , وتخيلت للحظات إنه من الممكن أن يثور الجمهور علي الممثلين , لإنه أصبح هناك إنشقاق في صفوف المتفرجين , وبدأ إحساس المتفرجين ينتقل رويدآ إلي الممثلين الذين بدأوا يتأثروا بحماس المتفرج بالرغم من أن البعض منهم معارض لما يفعله الممثل ,,, لكن الممثل لم يهتم بهذا الإعتراض والإعراض , لأن المتفرج داخل المسرح بنفسه ولو أحب أن يخرج من المسرح فالباب مفتوح ويفوت الجمل!!! لكن عمليآ لا يصح أن يعطي الممثل فرصة إختيار للمتفرج وخاصة وإنه لاتوجد عدة إختيارات مقدمة له !! يا إما يجلس منزعج أو يخرج من المسرح ,, وفي كلا الحالات الممثل هوا المستفيد الوحيد ,, والمشكلة الأكبر عندما نعلم أن الممثل عبارة عن ممثل صغير لاقيمة له في العمل الفني ككل , ومن الجائز جدآ إقصائه أيضآ عن العمل بالمسرحية , والتي لن تتأثر بغيابة مطلقآ .. صوته عاليآ جدآ ويصم الآذان ومصمم علي إنــه يرفع من صوته مرة بعد الأخري حتي يلفت إليه الأنظار ,, وبالرغم من قصور مخارج ألفاظه الغير مكتملة النمو العقلي والفكري ,, معتقدآ إنه سيخطف الأضواء من الممثلين الكبار وخاصة الممثل الكبير قوي وهو الأراجوز ,,,, لكن قوة شخصية الأراجوز وهدوء أعصابه وإنتظاره لما سيسفر عليه هذا القتال والحرب الدائرة علي المسرح , وكان عند الحاجة يتدخل بمساندة الممثلين الآخرين ولكن للأسف لا طائل من هذا ,, فقد بدا واضحآ لكل المتفرجين أن هناك قلة قليلة من الممثلين مازالت تصر علي موقفها وهو الإبتعاد عن مجال سيطرة الأراجوز وهيمنته علي أجواء المسرح ككل ,, فهذا رافضآ وذاك معارضآ , والبعض مؤيدين لمجهود الأراجوز ,, لإنه علي الاقل له فترة طويلة لعمله في المسرح والذي أكسبه خبرة وحنكة في إدارة حوارات هذا السيناريو بنجاح منقطع النظير ,, بالرغم من أن هناك خيبة أمل كبيرة , فالمسرح خسر كثير من الشهداء الذين لا ناقه لهم ولا جمل في خلافات الممثلين الكبار لأنهم وكل منهم يعمل لمصلحته الشخصية فقط , بغض النظر علي حساب من تأتي مصلحته وبغض النظر أيضآ عن التأثير السلبي علي باقي الممثلين , ومامدي الخسارة التي قد تعرضوا لها ,, وهنا يقف الاراجوز بطل الرواية حـــــــــائرآ ,,, ينظر من حوله , المتفرجون يبتعدون وأعدادهم تقل بسرعة ,, وينظرون إليه نظرة تبعث علي خيبة الأمل , نظرة لم تعد تبعث علي الإنبهار والإعجاب كما كان الحال سابقآ ,,, لإنه أيضآ له عيوبه الكبيرة والكثيرة أيضآ و أخطائه في إدارة المسرح الكبير , والمسرح التي تنظر إليه وتترصده كل العيون ,, عيوبه فضحته وفضحت شخصيته !! هو حازم لكن ليس من عقله هو , فهو حازم بسبب وجود شخصيات مهزوزة من حوله ,, هو قوي لوجود الضعفاء فقط من حوله ,, وذكي لأبعد الحدود لكثافة أعداد الأغبياء الذين حوله !!! فماذا سيكون حاله لو تبدلت صفات الذين حوله ؟؟ ,, فالإيمان بقوة السيناريو متوقف علي مدي تنفيذه بحرفية علي الضعفاء ,, إن القوة الموجودة في السيناريو حقيقة تكمن في الأدوات المنفذة لهذا السيناريو بمعني أوضح الممثلين طبعآ , وكلما كان الأداء دقيقآ كلما كان النجاح أكبر وهذه النقطة بالذات سبب خلافات كثيرة بين أصحاب الخبرة و أصحاب العضلات واللذان لايحملان العقل ولا يستخدمانه ,, لإنهم ببساطة يملكون سيناريو معد مسبقآ ومحددة خطواته وكلمات وأوامر لكل شخصية , فلماذا يرهق نفسه ويفكر ويجعل عقله يعمل ؟؟ ,, فأصحاب الخبرة ينفذوا السيناريو بطريقة سهلة وسلسة , و أصحاب العضلات تبحث عن مايخصها أيضآ والسيناريو هذا في هذه المسرحية ملئ بمواطن إستعمال العضلات , إذآ في كلا الحالات نجد تعطيل كامل لإستعمال العقل بل لايوجد نص أصلآ في هذا السيناريو !!! وكانت هذه هي النقطة الرئيسية في مسرحيتنا الليلة وتوقف الممثلون عن العمل ولكن !!! لم تنزل الستارة بعد ,,
وكان الممثلين قلقين بالرغم من إنهم المتسببين للخلافات ولكن بطل المسرحية وهو الأراجوز يقف واثقآ من نفسه عالمآ بما قد يحدث علم اليقين , بعض الممثلين يريد أن يحل محله , والبعض يرثي له لقلة حيلته وقلة عدد مساعديه !! إن لحظة النهاية إقتربت وكل منهم يعمل لنفسه فقط وماذا سيفعل بعد المسرحية كل هذه الأسئلة دارت في خلد الممثلين والمتفرجين سواء بسواء ,, كيف ستكون النهاية ؟؟ هل سيقوم الأراجوز بطل الرواية بتعديـل محتويات السيناريو, هل سيخرج عن النص ؟؟ وهل سيعجب هذا المتفرجين والممثلين ؟؟ أم سيحاول أولآ جمع شمل الممثلين مرة أخري ويبدأ الإصلاح من الداخل أولآ ؟؟ حتي ينعكس الأداء علي المتفرجين , ويصبح الكل سعيدآ !! هذه هي البطولة الحقيقية ,, هــل يصبح الأراجوز أولآ بطلآ في داخل الكواليس ومن ثم علي المسرح وأمام المتفرجين ؟؟,, ويستطيع بذلك أن يخرص الألسنة ويبطل الصراخ والعويل الذي لافائدة منه ,, وحينئذ قد يكون في طريقه لوضع نهاية سعيدة للمسرحية ليبدأ أمامنا سيناريو جديد , و إن لم يحدث الآن فلن يتم ذلك أبدآ ,,لإن الممثلين في الداخل والخارج متعطشين للقيام بالدور الأول طمعانين في دور البطل , لأن المكسب سيكون باهظآ جدآ , ولكن الغلابة الكومبارس هم الذين يدفعون أجور الممثلين كبارآ وصغارآ !!! يدفعونها من تعبهم وعرقهم ودمائهم وسهرهم الليالي قلقين علي ماسوف يلحق بهم !!! بالرغم من أن السيناريو أي سيناريو يعتمد علي الكومبارس والبطل والممثلين كبيرهم وصغيرهم ولابد وأن يعتمد علي الكومبارس ,, وبدون الكومبارس يصبحوا لاشئ !! فلذا يجب علي الاراجوز أن يعمل جاهدآ علي إستصال بذرة الكراهية والطمع التي استشرت في شرايين العمل المسرحي وعليه لن تنزل الستارة علي نهاية سعيدة ابدآ بدون إراقة للدماء ,,
أعجبت جدآ في نهاية المسرحية والمفترض أنها تكون كوميدية ,, ولكنها أضحت قمة في الدراما ,, وهذا الإحساس العالي بها وبتصوري في تطبيقها في الواقع الحالي , وبالنسبة لضحكات المتفرجين لم تكن بسبب الحبكة الحوارية في السيناريو المعروض أمامهم بل كانت ضحكاتهم علي مايفعله الممثلون مع بعضهم البعض ,, ومازال صدي هذه الضحكات يرن في أذني مع صوت الصراخ والبكاء الصادر من الكومبارس الضحايا ,, فقتال الممثلين لبعضهم البعض لسرقه الاضواء دفع ثمنه فقط هؤلاء الكومبارس -- والاراجوز البطل سيظل بطلآ , والممثل الكبير سيظل كبيرآ -- والممثل الدرجة التانية سيظل درجة تانية وياريت نتعلم من الدرس الحالي ومانطولشي لساننا ,,
وإلي اللقاء في مقالة قادمة نتحدث فيها عن النهاية المتوقعه لهذه المسرحية


بلاك إيجــــل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق